هو حاتم بن عبدالله بن سعد الحشرج الطائي القحطاني و كنيته أبو عدي ، فارس شاعر جواد جاهلي يضرب المثل بجوده ، كان من أهل نجد وزار الشام فتزوج من ماوية بنت حجر الغسانية ، وتوفى عام 578 ميلادية في جبل عوارض في بلاد طيء .
ولقد كان حاتم الطائي ظفراً إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سُئل وهب وإذا ضرب القداح سبق وإذا أسر أطلق وقد قسم ماله بضع عشرة مرة وكان أقسم بالله لا يقتل واحد أمه أي وحيد أمه . كان في بيته قدور عظام لا تنزل عن الأثافي وهي حجارة الموقد ، وعندما كان غلام يرعى أبل أبيه مر به عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني وبشر بن أبي حازم فنحر لهم ثلاثة من أبله وهو لا يعرفهم فلما سأل عنهم فتسموا له فرق فيهم الإبل كلها فعلم أبوه بذلك فأتاه فقال له : ما فعل الإبل قال يا أبه طوقتك مجد طوق الحمامة وأخبره بما صنع فقال له أبوه : لا أساكنك أبداً فاعتزل أبيه . ويقال أجواد العرب ثلاثة كعب بن مامه وحاتم طئ وهرم بن سنان الذي مدحه زهير.
ويعد حاتم الطائي نموذج الكرم عند العرب ، و الكرم عند حاتم يعني الحياة الحرة العزيزة ، فالإنسان إما أن يحيا كريماً جواداً و إما أن يرضى بالعيش مع الصعاليك .
وقد بلغ به حبه لضيفه أنه يتلذذ بخدمة ضيفه ، حيث قال :
و إني لعبد الضيف ما دام ثاوياً
و ما في إلا تلك من شيمة العبد !
وكان إذا أتى الليل أمر غلامه أن يوقد النار حتى يهتدي له من أضل طريقة فيأوي إلي منزل حاتم ، و من شدة كرمة كان يقول لغلامه إذا أحضرت لي ضيفاً فأنت حـر ، حيث قال :
أوقد ، فإن الليل ليل قـر
والريح ، يا موقد ، ريح صر
عسى يرى نارك من يمر
إن جلبت ضيفـاً ، فأنت حـر
ولقد أكتسب حاتم الطائي صفة الكرم من أمه عتبة بنت عفيف ، حيث كانت مفرطة في الكرم و الجود و لا تمسك شيئاً تملكه ، فلما رأى إخوتها فرطها بالكرم حجروا عليها و منعوها مالها ، و بعد مرور سنة ظنوا أنها اعتبرت بعد ما ذاقت مرارة الجوع و أعطوها صرمة ( جزء من إبلها ) ، فجاءتها امرأة كانت تأتيها كل سنة تسألها ، فقالت لها : دونك هذه الصرمة فخذيها ، فو الله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلاً أبداً ، ثم أنشدت تقول :
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة
فآليت ألا أمـنـع الدهـر جـائـعـا
فقولا لهذا اللائمي اليـوم : أعفني
فإن أنت لم تفعل فـعـض الأصابعـا
فماذا عساكم أن تقولـوا لأختكـم
سوى عذلكم ، أو عذل من كان مانعا ؟
وماذا تـرون الـيـوم إلا طبيعة
فكيف بتركـي يـا بـن أم الطبـائعـا
شعر حاتم الطائي كثير ضاع معظمه ، و هذه بعض من قصائده :
وإني لأعطي سائلـي ، و لربما
أكلف ما لا أستطيع ، فـأكلف
وإني لمذموم ، إذا قيل : حاتـم
نبا نبوة ، إن الكـريـم يعنف
سآبي ، و تأبى بي أصول كريمة
وآباء صدق ، بالمودة ، شرفوا
وأجعل مـالـي دون عرضـي
إنني كذلكم مما أفـيـد و أتلف
وإني لمـجـزي بما أنا كاسب
وكل امرئ رهن بما هو متلف
وقال :
يرى البخيل سبيل الـمـال واحـدة
إن الجواد يـرى ، في ماله ، سبـلا
إن البخيل ، إذا مـات ، يتـبـعـه
سوء الثناء ، و يحوي الوارث الإبلا
فاصدق حديثك ، إن الـمـرء يتبعه
ما كـان يبني ، إذا ما نعشه حمـلا
ليت البخيل يـراه الـنـاس كلهـم
كما يراهم ، فـلا يقرى ، إذا نـزلا
لا تعذليني على مـال وصلت بـه
رحما ، و خير سبيل المال ما وصلا
يسعى الفتى ، و حمام الموت يدركه
وكل يـوم يدني ، للفتى ، الأجـلا
وقال :
وما تشتكي قدري ، إذا الناس أمحلت
أؤثفها طوراً ، و طـوراً أميرهـا
وأبـرز قـدري بالفضـاء ، قليلهـا
يرى غير مضنون بـه ، و كثيرها
وإبلـي رهـن أن يكون كـريمهـا
عقيراً ، أمام البيت ، حين أثيرهـا
أشـاور نفس الجـود ، حتى تطيعني
وأترك نفس البخل ، لا أستشيرها
وليس على نـاري حجـاب يكنهـا
لمستوبص ليـلاً ، و لكن أنيرهـا
فـلا ، و أبيك ، ما يظل ابن جارتي
يطوف حوالي قدرنا ، ما يطورهـا
وما تشتكيني جارتي ، غـيـر أنها
إذا غاب عنها بعلها ، لا أزورهـا
سيبلغها خـيـري ، و يرجع بعلهـا
إليها ، و لم يقصر علي ستورهـا
وقال :
أماوي! قد طـال التجنب و الهجر
وقد عذرتني ، من طلابكم ، الـعـذر
أماوي! إن الـمـال غاد و رائح
ويبقي ، من المال ، الأحاديث و الذكر
أماوي! إني لا أقول لـسـائـل
إذا جـاء يوما ، حـل في مالنا نـزر
أماوي! إمـا مـانـع فـمبيـن
وإمـا عـطـاء لا ينهنهه الـزجـر
أماوي! ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت نفس و ضاق بها الصدر
إذا أنا دلاني ، الذين أحـبـهـم
لملحـودة ، زلـج جوانبهـا غـبـر
وراحـوا عجلاً ينفضون أكفهم
يقولون : قـد دمـى أناملنا الحـفـر
أماوي! إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض ، لا ماء هناك و لا خمـر
ترى أم ما أهلكت لم يك ضرني
وأن يدي مـمـا بخلت به صـفـر
أماوي! إني ، رب واحـد أمـه
أجرت ، فلا قـتـل عليه و لا أسـر
وقد علم الأقوام ، لو أن حاتـم
أراد ثـراء المال ، كـان لـه وفـر
وإني لا آلـو ، بمال ، صنيعة
فـأولــه زاد ، و آخـره ذخــر
يفـك به العاني ، و يؤكل طيباً
ومـا إن تعريـه القداح و لا الخمـر
ديوان حاتم الطائي شرح و تقديم : الأستاذ عبدالرحمن المصطاوي / الناشر / دار المعرفة - بيروت لبنان طبعة 2005
قصة لعلها ترفع معنويات المسلمين ، النبي عليه الصلاة والسلام عقب بعض الغزوات وقف ليستعرض الأسرى فوقفت امرأة أسيرة وقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومي ، يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكَلَّ (الضعيف) ، ويعين على نوائب الدهر ، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً ، أنا بنت حاتم الطائي ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( يا جارية ، هذه صفات المؤمنين حقاً ، ثم قال : خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق )) .
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام ، دققوا في هذا الحديث :(( ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين جهّال )) .
[ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته ، والطبري في تاريخه ]
فاستأذنته بالدعاء ، وقالت : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردها .
ولقد كان حاتم الطائي ظفراً إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سُئل وهب وإذا ضرب القداح سبق وإذا أسر أطلق وقد قسم ماله بضع عشرة مرة وكان أقسم بالله لا يقتل واحد أمه أي وحيد أمه . كان في بيته قدور عظام لا تنزل عن الأثافي وهي حجارة الموقد ، وعندما كان غلام يرعى أبل أبيه مر به عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني وبشر بن أبي حازم فنحر لهم ثلاثة من أبله وهو لا يعرفهم فلما سأل عنهم فتسموا له فرق فيهم الإبل كلها فعلم أبوه بذلك فأتاه فقال له : ما فعل الإبل قال يا أبه طوقتك مجد طوق الحمامة وأخبره بما صنع فقال له أبوه : لا أساكنك أبداً فاعتزل أبيه . ويقال أجواد العرب ثلاثة كعب بن مامه وحاتم طئ وهرم بن سنان الذي مدحه زهير.
ويعد حاتم الطائي نموذج الكرم عند العرب ، و الكرم عند حاتم يعني الحياة الحرة العزيزة ، فالإنسان إما أن يحيا كريماً جواداً و إما أن يرضى بالعيش مع الصعاليك .
وقد بلغ به حبه لضيفه أنه يتلذذ بخدمة ضيفه ، حيث قال :
و إني لعبد الضيف ما دام ثاوياً
و ما في إلا تلك من شيمة العبد !
وكان إذا أتى الليل أمر غلامه أن يوقد النار حتى يهتدي له من أضل طريقة فيأوي إلي منزل حاتم ، و من شدة كرمة كان يقول لغلامه إذا أحضرت لي ضيفاً فأنت حـر ، حيث قال :
أوقد ، فإن الليل ليل قـر
والريح ، يا موقد ، ريح صر
عسى يرى نارك من يمر
إن جلبت ضيفـاً ، فأنت حـر
ولقد أكتسب حاتم الطائي صفة الكرم من أمه عتبة بنت عفيف ، حيث كانت مفرطة في الكرم و الجود و لا تمسك شيئاً تملكه ، فلما رأى إخوتها فرطها بالكرم حجروا عليها و منعوها مالها ، و بعد مرور سنة ظنوا أنها اعتبرت بعد ما ذاقت مرارة الجوع و أعطوها صرمة ( جزء من إبلها ) ، فجاءتها امرأة كانت تأتيها كل سنة تسألها ، فقالت لها : دونك هذه الصرمة فخذيها ، فو الله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلاً أبداً ، ثم أنشدت تقول :
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة
فآليت ألا أمـنـع الدهـر جـائـعـا
فقولا لهذا اللائمي اليـوم : أعفني
فإن أنت لم تفعل فـعـض الأصابعـا
فماذا عساكم أن تقولـوا لأختكـم
سوى عذلكم ، أو عذل من كان مانعا ؟
وماذا تـرون الـيـوم إلا طبيعة
فكيف بتركـي يـا بـن أم الطبـائعـا
شعر حاتم الطائي كثير ضاع معظمه ، و هذه بعض من قصائده :
وإني لأعطي سائلـي ، و لربما
أكلف ما لا أستطيع ، فـأكلف
وإني لمذموم ، إذا قيل : حاتـم
نبا نبوة ، إن الكـريـم يعنف
سآبي ، و تأبى بي أصول كريمة
وآباء صدق ، بالمودة ، شرفوا
وأجعل مـالـي دون عرضـي
إنني كذلكم مما أفـيـد و أتلف
وإني لمـجـزي بما أنا كاسب
وكل امرئ رهن بما هو متلف
وقال :
يرى البخيل سبيل الـمـال واحـدة
إن الجواد يـرى ، في ماله ، سبـلا
إن البخيل ، إذا مـات ، يتـبـعـه
سوء الثناء ، و يحوي الوارث الإبلا
فاصدق حديثك ، إن الـمـرء يتبعه
ما كـان يبني ، إذا ما نعشه حمـلا
ليت البخيل يـراه الـنـاس كلهـم
كما يراهم ، فـلا يقرى ، إذا نـزلا
لا تعذليني على مـال وصلت بـه
رحما ، و خير سبيل المال ما وصلا
يسعى الفتى ، و حمام الموت يدركه
وكل يـوم يدني ، للفتى ، الأجـلا
وقال :
وما تشتكي قدري ، إذا الناس أمحلت
أؤثفها طوراً ، و طـوراً أميرهـا
وأبـرز قـدري بالفضـاء ، قليلهـا
يرى غير مضنون بـه ، و كثيرها
وإبلـي رهـن أن يكون كـريمهـا
عقيراً ، أمام البيت ، حين أثيرهـا
أشـاور نفس الجـود ، حتى تطيعني
وأترك نفس البخل ، لا أستشيرها
وليس على نـاري حجـاب يكنهـا
لمستوبص ليـلاً ، و لكن أنيرهـا
فـلا ، و أبيك ، ما يظل ابن جارتي
يطوف حوالي قدرنا ، ما يطورهـا
وما تشتكيني جارتي ، غـيـر أنها
إذا غاب عنها بعلها ، لا أزورهـا
سيبلغها خـيـري ، و يرجع بعلهـا
إليها ، و لم يقصر علي ستورهـا
وقال :
أماوي! قد طـال التجنب و الهجر
وقد عذرتني ، من طلابكم ، الـعـذر
أماوي! إن الـمـال غاد و رائح
ويبقي ، من المال ، الأحاديث و الذكر
أماوي! إني لا أقول لـسـائـل
إذا جـاء يوما ، حـل في مالنا نـزر
أماوي! إمـا مـانـع فـمبيـن
وإمـا عـطـاء لا ينهنهه الـزجـر
أماوي! ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت نفس و ضاق بها الصدر
إذا أنا دلاني ، الذين أحـبـهـم
لملحـودة ، زلـج جوانبهـا غـبـر
وراحـوا عجلاً ينفضون أكفهم
يقولون : قـد دمـى أناملنا الحـفـر
أماوي! إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض ، لا ماء هناك و لا خمـر
ترى أم ما أهلكت لم يك ضرني
وأن يدي مـمـا بخلت به صـفـر
أماوي! إني ، رب واحـد أمـه
أجرت ، فلا قـتـل عليه و لا أسـر
وقد علم الأقوام ، لو أن حاتـم
أراد ثـراء المال ، كـان لـه وفـر
وإني لا آلـو ، بمال ، صنيعة
فـأولــه زاد ، و آخـره ذخــر
يفـك به العاني ، و يؤكل طيباً
ومـا إن تعريـه القداح و لا الخمـر
ديوان حاتم الطائي شرح و تقديم : الأستاذ عبدالرحمن المصطاوي / الناشر / دار المعرفة - بيروت لبنان طبعة 2005
قصة لعلها ترفع معنويات المسلمين ، النبي عليه الصلاة والسلام عقب بعض الغزوات وقف ليستعرض الأسرى فوقفت امرأة أسيرة وقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومي ، يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكَلَّ (الضعيف) ، ويعين على نوائب الدهر ، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً ، أنا بنت حاتم الطائي ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( يا جارية ، هذه صفات المؤمنين حقاً ، ثم قال : خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق )) .
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام ، دققوا في هذا الحديث :(( ارحموا عزيز قوم ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين جهّال )) .
[ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته ، والطبري في تاريخه ]
فاستأذنته بالدعاء ، وقالت : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردها .