إريتريا
دولة اريتريا هي دولة أفريقية عاصمتها أسمرة. يتحدث أكثر من نصف سكانها
العربية، ويدين 78% من سكانها بالإسلام. يحدها البحر الأحمر و المحيط
الهندي شرقا و السودان من الغرب ، اثيوبيا من الجنوب، وجيبوتي من الجنوب
الشرقي. يمتد الجزء الشمالي الشرقي من البلاد على ساحل البحر الأحمر،
مباشرة في مواجهة سواحل السعودية واليمن. وتصل مساحتها إلى 118,000 كم²
وعدد سكانها 5 مليون نسمة.
اﻟتأثيل
اسم إريتريا مشتق من التسمية اليونانية للبحر الأحمر سينوس إريتريوم (
Sinns Erythreum ) وتعني البحر الأحمر ، وقد أطلق اليونانيون ذلك الاسم
على إريتريا في القرن الثالث ق.م. تخليدا لاسم جزيرة في اليونان تحمل اسم
إريتريا ، وتقع في الشاطئ الشرقي لبلاد الإغريق ، كما أطلق الرومان نفس
الاسم على البحر الأحمر عندما خضع لهم ميناء عدوليس التاريخي الشهير .
وعندما احتل الإيطاليون إريتريا أطلقوا عليها اسم إريتريا تجديدا للتسمية
القديمة ، وذلك بالمرسوم الذي أصدره الملك همبرت الأول ملك إيطاليا في
الأول من يناير ( كانون الثاني ) 1890 م. كما أطلق المؤرخون المسلمون على
الإقليم قديما أسماء مثل بلاد الزيلع وبلاد الجبرته ، وقال عنها ابن حوقل
: بلاد الإريتريا ، وذكر أن بها كثيرا من المسلمين وعليها ملك عظيم.
جغرافيا
تقع إريتريا في منطقة القرن الإفريقي في الشمال الشرقي لقارة إفريقيا
قبالة شبه الجزيرة من الناحية الجنوبية بين دائرتي عرض 15- 18 شمالا وخطي
طول 36- 43 شرقا . يجاور إريتريا من الشمال و الغرب جمهورية السودان
وتشترك معها في حدود يبلغ طولها 605 كم ومن الجنوب جمهورية إثيوبيا ويبلغ
طول الحدود بينهما 912 كم وجيبوتي من الجنوب الشرقي بحدود طولها 113 كم .
كما تطل على البحر الأحمر شرقا ويبلغ طول الساحل 1000 كم . تتواجد على
الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في نقطة حاكمة عند مدخله الجنوبي وعلى مقربة
من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية البالغة؛ فهي تشبه مثلثا
محصورا بين إثيوبيا والسودان وجيبوتي،
وتبلغ مساحتها حوالي 120 كم2 تتنوع فيها التضاريس والمناخ، وتمتلك شاطئًا
يمتد ألف كيلومتر على البحر الأحمر، يمتد من "رأس قصار" على الحدود
السودانية شمالا إلى باب المندب في "رأس أرجيتا" في جيبوتي جنوبًا، ويقع
في هذا الساحل أهم موانئ البحر الأحمر وهما: "عصب" و"مصوع".
وتتبع إرتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل دهلك وبه نحو 25 جزيرة، أهمها من
الناحية الإستراتيجية جزيرتا "فاطمة" و"حالب". ويزيد عدد السكان عن أربعة
ملايين نسمة. 78% منهم مسلمون، والباقي ينتمون إلى تسع مجموعات دينية
وعرقية ولغوية أخرى.
تكمن أهمية الموقع في إرتباط البلاد بين أقرب و أقصر طرق الملاحة بين
المحيط الهندي و البحر المتوسط مما يجعلها تشكل حلقة وصل بين القارات
الكبرى الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، و هي قريبة من المناطق المقدسة في
شبه الجزيرة العربية و من مناطق إنتاج النفط في الخليج العربي ودول شرق
إفريقيا . كما تشكل الجزر الإريترية نقاط ارتكاز و تحكم للقوى العسكرية في
الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة ؛ ولذلك تسارع الولايات المتحدة
الأمريكية و الكيان الصهيوني لاستغلال هذه الجزر .
ملامح السطح
إن إريتريا تتميز بتنوع كبير في تضاريسها ومعالمها البيئية ، وحسب
المعطيات الجغرافية يمكن تقسيم سطح إريتريا إلى ثلاثة معالم طبيعية كما
يلي :
1 المرتفعات : والتي تتكون من الهضبة الوسطى والتلال والهضاب الشمالية
المنحدرة نحو الأراضي المنخفضة في شرق وشمال إريتريا وهذه المرتفعات في
مجملها تشكل الهضبة الإريترية التي تمثل امتدادا طبيعيا للهضبة الإثيوبية
.
2الأراضي الساحلية : والتي تمثلها الشواطئ الواقعة على البحر الأحمر ، على
امتدادا 1000 كم ، وعلى الرغم من أن البحر الأحمر قليل التعرجات والخلجان
إلا إن الشاطئ الإريتري يتمتع بخلجان أهمها خليج عصب الذي توجد به مجموعة
جزر يتجاوز عددها 20 جزيرة وكذلك سواحل الجزر التابعة لإريتريا ومن أهمها
جزر دهلك .
3
الأراضي السهلية وتشمل :
السهول الشرقية : وهي المناطق التي تقع شرق إريتريا حيث إقليم دنكاليا
وتمتد إلى الشمال حيث أقاليم الساحل وهذه السهول تتخللها سلسلة من الهضاب
والجبال .
السهول الغربية : وهي المناطق الواقعة في غرب إريتريا ابتداء من منحدرات
الهضبة الوسطى وامتدادا إلى الحدود السودانية ، وهي تمثل أوسع الأقاليم
الإريترية ، وتمثل جزءا من مراعي السافانا الحارة التي تكثر فيها الماشية
باستثناء الأجزاء الغربية من منطقة حوض القاش و ستيت .
أهم الأنهار
نهر القاش : يبلغ طوله 440 كلم، ويطلق على القاش اسم مأرب في جزء من
أجزائه ، ويرى الباحثون أن هذا الاسم إنما يعود إلى بعض الهجرات اليمنية
إلى إريتريا ، وأن هذا اللفظ إنما استخدمه المهاجرون من اليمن تذكرا لمأرب
اليمني الذي بني عليه سد مأرب ، ينبع من الهضبة في المرتفعات الجنوبية و
ينتهي بمستنقع في السودان بعد مدينة كسلا في شرق السودان .
نهر بركة : طوله 630 كلم داخل ارتريا ، ينبع من الجزء الغربي من الهضبة
وينتهي في الساحل الشمالي للسودان وفي مواسم الأمطار الغزيرة يصب في البحر
الأحمر .
نهر عنسبا : وأصل تسميته عين سبأ ، يصب في نهر بركة ويعتبر رافدا من
روافده ، و للعلم أن الأقمار الصناعية الأمريكية اكتشفت مؤخرا في منطقة
بركة بحيرة عميقة تتمتع بمخزون مائي لا مثيل له في المنطقة ، ويمكنها سد
حاجة الشعب الإريتري من الماء و الطاقة الكهربائية لمدة 250 سنة قادمة .
نهر ستيت : وهذا هو النهر الوحيد في ارتريا الذي لا يحمل صفة موسمي حيث أن
كل الأنهار السابقة هي موسمية . ولكن مشكلة هذا النهر هي كونه على الحدود
الاثيوبية بل ويشكل الحدود الطبيعية بين البلدين ، لذا فإنه لم تتم
الاستفادة منه ، ويمتد هذا النهر إلى السودان حيث يعرف هناك بنهر (عطبرة)
ليصب في النيل عند مدينة عطبرة .
أما الأودية التي تصب نحو الشرق من الهضبة الارترية ، فأهميتها الاقتصادية
أقل من تلك التي تصب نحو الغرب ، بالنظر إلى ضيق المساحات التي ترويها ،
وأهم هذه الأودية : وادي علي قدي ويروي سهول زولا حيث أقيم سد صغير . وعلى
مقربة منه وادي حداث وكميلي ، كما يروي مزارع بدا في منطقة دنكاليا ، واٍ
يمتد إلى هضبة التجراي . أما مزارع (امبيرمي) و ( قد قد) و (سقب) فترويها
أودية تصب من هضبة حماسين والهضبة الشمالية . وقد أقام ( داندي) ، وهو
الايطالي المتخصص في زراعة الموز والفواكه ، سداً في ينقوس بالقرب من قندع
يروي المزارع في مرتفعات قندع وأسمرا ، وقد أقامت شركة سداو للكهرباء
بحيرات اصطناعية في ( بلزا) بالقرب من أسمرا لتجميع مياه السيول ،
واستغلالها في توليد الكهرباء ، ويعد مشروعاً ناجحاً يمد أسمرا بالكهرباء
إلى جوانب فوائده الزراعية . وتؤكد الدراسات التي خلفها الايطاليون وجود
إمكانيات اقتصادية ضخمة باستغلال مساقط المياه ، وبإقامة بحيرات اصطناعية
لتوليد الكهرباء وتنظيم الري.
المساحة
تغطي إريتريا رقعة من الأرض تقدر بنحو 121320 كم2 بما في ذلك جزر دهلك ،
واعتمادا على المساحة تصنف إريتريا ضمن الأقطار الصغيرة في حجمها ومساحتها.
تتميز خارطة إريتريا بتباعد في الشكل بين أنحائها و أقاليمها ، فبينما
يبدو التوازن النسبي في شكل الأقاليم الشمالية والغربية و الوسطى فإن
إقليم دنكاليا يمثل امتدادا شريطيا ضيقا بمحاذاة البحر الأحمر ، وعلى أية
حال فإن إريتريا في مجملها تمثل شكلا مثلثا تقوم قاعدته على امتداد واسع
مع الحدود السودانية
المناخ
يتباين المناخ في إريتريا بين المناخ الحار الصحراوي الجاف في المناطق
المحاذية لإثيوبيا إلى المناخ المعتدل الرطب في مناطق الجنوب الغربي . و
تسقط الأمطار في كل أنحاء إريتريا صيفا باستثناء الشريط الساحلي ( مينائي
مصوع وعصب ) من يونيه – حزيران حتى سبتمبر – أيلول ، وتصل درجة الحرارة في
الشريط الساحلي صيفا إلى 45 سنتيجراد وتنخفض شتاءا إلى 18 في أقصى حالات
البرودة . وترتفع في صحراء دنكاليا صيفا إلى 48 سنتيجراد ، وهي أعلى درجة
حرارة في العالم ، وقد درست بعثة علمية في عام 1970 م إمكانية استغلال
حرارة الشمس في منطقة دنكاليا لتوليد الكهرباء بواسطة توربينات خاصة .
تبلغ نسبة لأمطار في مصوع 7بوصات في السنة ، وفي عصب 3 بوصات ، وتسقط
الأمطار شتاء في ديسمبر- كانون الأول حتى مارس – آذار ، أما في بركة فيبلغ
متوسط سقوط الأمطار 15 بوصة وفي حوض القاش و ستيت 25 بوصة ، وبالنظر إلى
هطول الأمطار شتاءا وصيفا فإن منطقتي قندع و فلفل تتمتعان بأعلى منسوب
لمياه الأمطار إذ يصل إلى 45 بوصة سنوياً .
التاريخ :
تشكل إريتريا عمقا استراتيجيا مهما لكل الدول المطلة على البحر الأحمر
باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على مضيق باب المندب . بشق قناة
السويس عام 1869 م جعل من البحر الأحمر أحد أهم الطرقات البحرية في العالم
، بعد أن كان معزولا وبعيدا لفترة طويلة من الزمن ، وتحولت الزاوية
الشمالية الشرقية من ملجأ معزول إلى سوق كبيرة تشكل مصدر ثروة و قوة .
تشكل إريتريا منذ قديم الزمان حلقة اتصال تجاري و حضاري بين إفريقيا و شبه
الجزيرة العربية ، ولا شك أن هذا الموقع الاستراتيجي الهام قد جعل إريتريا
منطقة صراع ونفوذ ، و موضع اهتمام و أطماع المستعمرين عبر التاريخ حيث
تعرضت لعدة حقب استعمارية .
مصوع بلد العرب والإسلام
في شهر رجب من العام الثامن قبل الهجرة سنة 614م كانت الهجرة إلى الحبشة
البعثة الإسلامية الأولى وهناك على ارض مصوع او ( باضع ) كما كان يطلق
عليها العرب قديما , هناك قام الصحابة ببناء اول مسجد في الاسلام المسمى
بمسجد رأس مدر . ومصوع هي بوابة دخول الاسلام في افريقيا
من أشهر ملوك البجه الملك بشر بن مروان بن إسحق وبسط أمراء هذا البيت
نفوذهم على ممالك البجه المترامية الأطراف من مصوع حتى جنوب أسوان وتولوا
حكوماتها بتقليد من مصر وكان يلقب أمير البجه (الحدربي) نسبة إلى العنصر
الممتاز وكان يكتب له في الأبواب السلطانية المصرية حتى أوائل القرن
التاسع الهجري بالعنوان الآتي: المجلس السامي الأميري الحدربي وبقوا على
هذه الحالة حتى آخر عهد المماليك ، وكان تحت بشر بن مروان 3000 محارب من
ربيعة ومضر واليمن و30 ألف من الحداربة من مسلمي البجا ممن اسلموا نتيجة
لتداخلهم مع ربيعة. وبقيت مملكة البجه في العائلة الحدربية إلي عهد
السلطان سليم عام 923م حيث أمر بسلخها عن الخلافة العثمانية وولي عليها
أمراء وأتبعها لمصر.
قبيلة حدارب العربية
دخل إريتريا قبائل البلو العرب المتحالفين مع الحضارم والعرب المسلمين. قبيلة عريقة تعتنق الإسلام ، بمذهبها السني.
اختلط الحداربة البلوان بعرب ربيعة وجهينة وغيرها، وأصبح نفوذهم يتقلص
بسبب نظام الوراثة المعمول به آنذاك إذ يتوارث أبناء البنت والأخت الملك ،
وكان الحدارب العرب البلوان يأنفون أن يزوجوا بناتهم من غير العربي منذ
هجرتهم من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى اختلاط الحدارب بالعرب المسلمين
الذين فقهوا الحدارب في الدين خصوصا و بشكل موسع في حوالي سنة 240 هـ
عندما نزلت ربيعة بينهم.
مملكة بلاد البجا
البجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الاخر وهم من أصفى السودان لونا
قال ابن سعيد وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان ومواطنهم في جنوبي صعيد مصر
مما يلي الشرق فيما بين بحر القلزم (البحر الأحمر) وبين نهر النيل على
القرب من الديار المصرية وقاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة والواو وكسر
الكاف ونون في الاخر وقال في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم وهي
بليدة للسودان حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون درجة.
قال أبو العباس القلقشندي في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا وقد أخبرني
من رآها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبة من البر
يسكنها التجار وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء والدال
المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر
وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ويقال في تعريفه الحدربي
بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء.
كان للبلوان والحداربة خمس ممالك ، ثلاث منها ضمن حدود إريتريا حاليا و
اثنان ضمن حدود السودان. اشتهرت مدينة عيذاب الميناء البجاوي كميناء رئيسي
لحجاج بيت الله الحرام من المصريين والسودانيين، وكانت زاهرة بالعمران
والتجارة وكانت عيذاب مقر ملك البجه الحدربي في الإقليم الشمالي.
لقد كان على عيذاب والي من مصر يقتسم ريعها مع زعيم البجا (الحدربي). وقد
تزايد نصيب زعيم البجا من نصف الدخل إلى معظمه ثم كان نصيب الحدربي، ممن
كان عليه تأمين التجارة من شرور قومه، الثلثين لدى زيارة ابن بطوطة
للمنطقة ، حيث رأى ابن بطوطة في رحلته إلى عيذاب سلطان البجا الأمير
الحدربي وهو يحارب الأتراك حتى هربوا منه وخرق السفن ، فاضطر ابن بطوطة
إكمال رحلته برا عن طريق سيناء. أنشأ الحداربة البلوان مدينة هجر نسبة
لمدينتهم في جزيرة العرب، وكانت عاصمة ممالك البجة للزعيم العربي.
الكفاح المسلح وحركة التحرير :
على إثر تصاعد حملات القمع والإرهاب عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال
الإريتريين إلى الهجرة إلى الأقطار المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف
تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإرترية واتخذ قاعدة له في بور سودان،
وسرعان ما امتدت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن
الإرترية. ثم شهد عام 1960 أول تأليف لجبهة التحرير الإرترية بين العمال
والطلبة الإريتريين في المشرق العربي، وانتقل نشاطه في العام التالي إلى
جبال إرترية إثر الانتفاضة التي قادها حامد إدريس عواتي في 1 سبتمبر 1961
مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت الجبهة تلك
الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع
أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة، وفي مقدمتها الاستقلال الوطني
الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج.
واختار المؤسسون أن يكون إدريس محمد آدم أول رئيس للجنة التنفيذية للجبهة.
وقد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار
العربية، وفي مقدمتها سورية، إلى مقاومة حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة
شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين، واتسمت بعض تلك الحملات باتباع
سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية وقتل المواشي، وإبادة
المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975
على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإريتريين في الصحارى والغابات،
وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة
اللاجئين الإريتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإرترية على معظم
الريف الإريتري، وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير
تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة وتطوراتها. وفي هذا السياق، عقدت حركة
المقاومة الوطنية الإرترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج
من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب
المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً.
إثر سقوط نظام منگستو هايله مريم في إثيوبية بتاريخ 25/5/1991 وفي الوقت
الذي أصبحت فيه إرترية على عتبة الاستقلال، شهدت الساحة الإرترية صراعات
داخلية أفرزتها التعددية السياسية في بنية حركة التحرر، ويعد تنظيم الجبهة
الشعبية لتحرير إرترية من أكبر التنظيمات وأقواها على الساحة، إضافة إلى
تنظيمات أخرى أهمها: (جبهة التحرير الإرترية - التنظيم الموحد، وجبهة
التحرير الإرترية - المجلس الثوري، وجبهة التحرير الإرترية - المجلس
الوطني).
ولقد تحقق للإريتريين النصر والاستقلال والسيطرة على العاصمة أسمرة في عام
1993. أجري على أثره الاستفتاء في العام المذكور، فكانت نتيجته إجماع شبه
تام (99.8٪) لصالح الاستقلال الكامل. وهكذا أعلن استقلال إرترية في نيسان
من عام 1993، واعترفت بها دول كثيرة.
تحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس
زيناوي تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام
كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام
مانجستو، وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق
تقرير المصير للشعب الإريتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن
يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي
السلطة، وأن تسمح إريتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع
للأغراض التجارية.
ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال
إريتريا في 25 ماي 1991م، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على
الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة
الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات
سيادة في
1 ذي الحجة 1413 هـ الموافق 23 ماي 1993م، ثم انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد
دخلت إرترية صراعاً مع اليمن بسبب احتلال القوات الإرترية أرخبيل حنيش
الكبرى اليمنية في البحر الأحمر، ذات الأهمية الاستراتيجية لوقوع الجزر في
طريق الملاحة البحرية بين مضيق باب المندب وقناة السويس. وعلى الرغم من
الاتفاق على معالجة المسألة سلمياً في 3 ماي 1996 فقد استمر احتلال الجزر
حتى حكمت محكمة العدل الدولية بتبعيتها لليمن في تشرين الأول عام 1998.
رغم ان اليمن هو من قدم الكثير لبناء الدولة الارتيرية الحديثة من خلال
الدعم المادي والمعنوي
الحكومة والسياسة :
على رأس الجهاز الحكومي الإرتري رئيس يتولى رئاسة الحكومة. ويتم اختيار
الرئيس عن طريق المجلس التشريعي في البلاد الذي يمثل المجلس الوطني. ولهذا
المجلس 136 عضوًا يتم انتخابهم بوساطة الشعب.
ويشكل حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية و العدالة أكبر الأحزاب السياسية في
البلاد وأقواها. وقد تولى هذا الحزب إدارة الحرب حتى استطاعت إرتريا نيل
استقلالها.
الاقتصاد ومصادر الثروة :
المعادن
تمتلك إرترية ثروة معدنية مهمة يجري استثمار بعضها استثماراً تجارياً
متذبذباً لفقدان الاستقرار السياسي قبل الاستقلال وبسبب ثورة التحرر
الوطني التي قامت من أجل الاستقلال وأبرز المعادن المكشوفة النفط والنحاس
والبوتاس والذهب واللغنيت والحديد والألمنيوم والفضة والنيكل. وقد كشف
النفط في جزيرة دهلك وجنوب شرقي مدينة مصوع، وتقوم الشركات الأمريكية
والهولندية بالتنقيب عنه. وتقع أكبر مناجم النحاس في منطقة «دياروا» قرب
أسمرة، وتستخرج الاستثمارات اليابانية نحو 6000طن من النحاس شهرياً،
وتتوسع الشركات الأمريكية باستخراج الفوسفات وتسويقه منذ عام 1949.
الزراعة
تعتبر الزراعة من مصادر الاقتصاد الهامة في البلاد ، إذ تعد إرتريا بلداً
زراعياً رعوياً، يمارس فيه أكثر من 90٪ من مجموع السكان الزراعة والرعي،
وتؤلف زراعة الحبوب نحو 87٪ من مجمل المحصولات، وأهمها الذرة والقمح
والشعير والطاف (نوع من الحبوب يخلط مع الذرة لصنع الخبز الوطني)، وتتوزع
بقية المزروعات بين البن والتبغ والقطن والفواكه المدارية. وتعد الذرة
غذاء رئيسياً للسكان في السهول الغربية والشرقية، في حين تنتشر زراعة
القمح والطاف في الهضبة، وقد توسعت مؤخراً زراعة الموز في منطقة وادي بركة
وهو من المنتجات المعدة للتصدير.
وعلى وفرة الإمكانيات الزراعية، ما زالت إرترية بعيدة عن التطور الزراعي
لحداثة استقلالها بسبب إهمال الإدارات المستمرة والمتوالية، وفقدان
الاستقرار السياسي منذ أن ضمت البلاد إلى إثيوبية، وكثيراً ما ألحقت
المجاعات خسائر باهظة بالإريتريين.
الرعي
تهيمن حرفة الرعي إلى جانب الزراعة، على قطاعات واسعة من السكان، وتمتلك
إرترية نحو 10 ملايين رأس من الأبقار والجمال والأغنام. وقد تأثر تكاثرها
بحالة الحرب التي عاشتها البلاد منذ عام 1960م، وتحاول الشركات الأجنبية
استثمار الإنتاج الحيواني في صناعة اللحوم لتصديرها إلى الخارج، ولاسيما
إلى الكيان الصهيوني (وفقاً للاتفاقية التي عقدتها السلطات الإثيوبية مع
شركة «أنكودي» الصهيونية). كذلك تصدر إرترية منتوجات الألبان إلى إيطالية
وبعض الدول المجاورة. وتمتلك إرترية ثروة بحرية كبيرة من الأسماك والأصداف
وتزيد قيمة صادراتها السنوية فيها عن 50 مليون دولار.
الغابات
وتعد الغابات مصدراً آخر للثروة في إرترية وتنتشر في السهول وفي أودية
الأنهار أشجار «الدوم» التي تستخدم في صناعة أزرار الملابس، وتنتشر فيها
المراعي، وأشجار اللبان والصمغ، وتساعد هذه الأشجار عموماً على حماية
التربة من التعرية والانطمار الذي قد يلحقها من تحرك كثبان الرمل. في حين
تنمو أشجار «اليورفوبيا» في الهضبة والمرتفعات ويستفاد منها في صناعة
الأخشاب وأعواد الثقاب.
الصناعة
في إرترية بعض الصناعات البسيطة، التي يتركز معظمها في العاصمة «أسمرة»
ويديرها الإيطاليون على الأغلب، وأهمها تعليب اللحوم والفواكه والأسماك،
وصناعة الجلود والسماد والكبريت والصابون والنسيج والإسمنت والبلاستيك.
المجتمع :
يقدر عدد سكان إرترية بنحو 3.574.000 نسمة (1995) يعيش منهم نحو 450.000
نسمة في العاصمة أسمرة، كما يعيش نحو 340.000 إريتري في السودان ونحو
150.000 (لاجئين) في أوربة وأمريكة وبلغت نسبة وفيات الرضع عام 1994 نحو
11.4٪ ونسبة وفيات الأطفال 20٪، كما أن العمر المتوسط للفرد هو 52 سنة
فقط، وتقدر نسبة الأمية في إرترية بنحو 80٪.
يتوزع سكان إرترية تاريخياً بين ثلاث مجموعات لغوية (بالمعنى المجازي) هي:
الحامية والسامية والنيلية. وقد هاجرت إليها القبائل التي تنتمي إلى
المجموعتين الحامية والسامية من الجزيرة العربية أصلاً ويصعب التفريق
بينهم في الشكل والهيئة العامة، أما النيليون فيعتقد أن أصولهم زنجية أو
«متزنجة».
ومن الجماعات التي تنتمي إلى الحامية أو السامية كل من قبائل البجة في
منطقة القاش، وقبائل الأسورتا والساهو في محافظتي إكلي قوزاي والبحر
الأحمر، وقبائل البلين في محافظة كرن، وقبائل الماريا في أگوردات وكرن،
وقبائل الدناقيل في سهل الدناقيل، وقبائل الحباب في نقفة وتغري، وقبائل
منسع حول كرن، والقبائل النصرانية في حماسين، ولا يكاد يوجد أثر للسمات
الزنجية المعروفة بين هذه القبائل باستثناء لون البشرة الأسمر الداكن الذي
يجعلهم أقرب إلى قبائل السودان. أما النيليون أو أنصاف الحاميين فلا
يتجاوز مجموعهم بضعة آلاف نسمة، وتمثلهم قبائل الكوناما أو البازا وقبائل
الباريا وينتشرون في مناطق مختلفة من القاش وستيت، وإلى جانب هذا التعدد
يوجد في الوقت نفسه امتزاج سلالي يتعذر تحديد فواصله لمرور زمن طويل من
المصاهرة والمجاورة. ومن الهجرات العربية المبكرة إلى المنطقة قبل ظهور
الدعوة الإسلامية بطون من بني حمير عرفوا بقبيلة «البلو» وقد صاهرت البجة
وحكمت بعض الإمارات البجاوية في إرترية. وقد وفد إلى المنطقة في أزمنة
لاحقة قبائل من ربيعة وأخرى من القحطانية والجهنية. وتعد قبيلة الرشايدة
آخر الهجرات العربية إلى إرترية، وقد توافدت إليها عن طريق السودان منذ
سنة 1846م وانتشرت على الشريط الساحلي من مصوع حتى حدود السودان.
لغات اريتريا:
الشعب الإريتري يتحدث تسع لغات تتوزع على تسع قوميات ينتشرون في طول
البلاد وعرضها، من هذه القوميات: التجراي والتيجرينية التي ينتمي إليها
الرئيس أسياس أفورقي ومعظم أعضاء حكومته، والعفر والساهو والنارا والحضارب
والرشايدة العربية الأصل والبلين والكوناسا، إلا أن اللغتين الأكثر
انتشاراً هما التيجرية والعربية، وتتشابه التيجرية إلى حد بعيد في جذورها
مع العربية؛ حيث انحدرت من أصول سامية من شبه الجزيرة العربية.
ويتحدث سكان إرترية لغات متعددة متقاربة الأصول، تتمثل على نحو أساسي
باللغتين «التغرينية» و«التغرية» وتشير المصادر التاريخية إلى أن هاتين
اللغتين اشتقتا من اللغة الجعزية السبئية، وتتشابهان إلى حد بعيد مع لهجة
سكان ظفار ولجهة سكان المحافظة السادسة من جمهورية اليمن. واللغة
التغرينية أقرب إلى اللغة الجعزية السبئية من أختها التغرية وتكتب
بحروفها، وهي أكثر اللغات انتشاراً من حيث عدد المتحدثين بها، وجلهم من
النصارى وبعض المسلمين من سكان الهضبة الإرترية. أما اللغة التغرية فتنتشر
في شرقي إرترية وشماليها وغربيها، وغالبية المتحدثين بها من المسلمين،
ويتكلم بعض قبائل «بني عامر» اللغة «البجاوية» التي تسمى «البداوي» في حين
تتحدث قبائل البازا والباريا لغة نيلية إفريقية، وتمثل اللغة العربية
القاسم المشترك بين مجموع هذا التعدد اللغوي الواسع، وغالباً ما يجري
التفاهم بالعربية بين الجماعات التي لا يعرف بعضها لغة بعضها الآخر، إضافة
إلى الجماعات التي تتحدث العربية وحدها مثل الرشايدة. وقد اتخذ البرلمان
الإريتري، قبل أن يحله الإثيوبيون، من اللغة العربية لغة رسمية لإرترية
إلى جانب اللغة التغرينية بحسب المادة 38 من الدستور الإريتري، وكانت
اللغتان العربية والتغرينية تدرسان في المدارس قبل أن تمنع ذلك إثيوبية،
ومما ساعد على اقتصار التعليم بهاتين اللغتين فحسب كونهما الوحيدتين
اللتين تمكن الكتابة بهما.
إلا أن الغالبية العظمى من السكان تفضل استخدام اللغة العربية؛ لارتباطها
بالدين والتراث الإسلامي؛ حيث إن أغلب سكان إرتريا مسلمون، كما أنها لا
تزال اللغة الرسمية في دواوين الدولة والإذاعة والتلفزيون والصحيفة
الرسمية الناطقة باسم الدولة، وهي صحيفة إرتريا الحديثة.
قد قامت الحكومة بإغلاق العديد من مدارس اللغة العربية في إقليم عشبا غرب
العاصمة الإرترية، وإجبار مدارس أخرى على تدريس العلوم باللغة التيجيرية
بدلاً من العربية.
وفي منطقة عفر ذكر بعض الأهالي أن الحكومة تعمل على وضع قواعد جديدة،
واختراع حروف أخرى للغة العفر بدلاً من تلك المستعملة في جيبوتي وإثيوبيا
منذ مائتي عام، وقال هؤلاء الأهالي إن الهدف من ذلك هو عزل القومية
العفرية عن امتدادها في جيبوتي والصومال وإثيوبيا.
وكانت إثيوبيا التي احتلت إرتريا حتى عام 1993 قد حاولت في الماضي فرض
اللغة الأمهرية التي تتحدث بها على الشعب الإريتري لكنها فشلت في ذلك
وجوبهت بمقاومة عنيفة، وكانت من جملة أسباب اندلاع الحرب بينهما في أعوام
1991 و1993 و 1998.
الديانة :
تتميز إريتريا كغيرها من الدول الأفريقية ودول شبه الجزيرة العربية بتعدد
الأديان وكثرة المعتقدات ولعل ذلك ناتج من تأثرها ببيئة الدول المحيطة بها
واضعين في الاعتبار موقعها المتميز والذي يساعد في سهولة التأثر عبر
الهجرات والغزو المستمر عبر تاريخها الطويل ونجد أن التأثير الأبرز يتضح
من انتقال الأديان كما هي في الجزيرة العربية الى هذه المنطقة فالديانات
السماوية وهي اليهودية والمسيحية والإسلام كلها نزحت مباشرة الى هذه
المنطقة من الجزيرة العربية وقبل هذه الديانات أيضاً الوثنية مثلاً كانت
لدى سبا وحمير والحجاز. لاتوجد إحصائية رسمية لكنه يقدر بأن مانسبته 50%
من السكان هم من المسلمين السنة و 30% من المسيحيين الأرثوذكس و 13%
مسيحيين كاثوليك و 5% مسيحيين بروتستانت وآخرون، 2% الباقية ديانات
تقليدية محلية