النواعير
لا يختلف اثنان حول أهمية سوريا من الناحية السياحية لتميزها بجمال
الطبيعة والناحية التاريخية كأقدم موطن للبشرية قامت على أرضها أعرق
الحضارات من مدن وقلاع وأوابد أثرية ماتزال قائمة حتى اليوم منها
النواعير. وحول غنى جميع المناطق والمدن السورية بالأوابد الأثرية التي قل
أن يوجد لها نظير في مكان آخر من العالم
تاريخ الناعورة :
من الأوابد الأثرية يمكن أن نذكر النواعير القائمة على نهر العاصي وخاصة
في مدينة حماة في سوريا وهذا ما جعل بعض المؤرخين يطلقون على هذه المدينة
اسم مدينة النواعير بالإضافة لاسمها الآخر وهو مدينة أبي الفداء. ويعود
تاريخ النواعير إلى عهد الآراميين، وتبين الآثار السورية منحوتات ولوحات
أثرية عن النواعير، مثل لوحة الفسيفساء الرائعة التي اكتشفت في شارع
الأعمدة بمدينة أفاميا الأثرية على بعد 55 كم شمال مدينة حماة ويرجع تاريخ
اللوحة إلى 420 م وتمثل صورة طبق الأصل للناعورة (اللوحة موجودة في متحف
دمشق الوطني) وكذلك بالقرب من قلعة شيزر.
وصف الناعورة :
الناعورة لوحة فنية وأثرية رائعة الجمال مليئة بالفتنة والسحر ذات شدو
متواصل، هي عبارة عن آلة مائية دائرية دائمة الحركة مخصصة لرفع الماء من
النهر وعبر القناطر إلى البساتين على جانبي النهر، وتتكون من دولاب خشبي
ضخم يدور حول محور خشبي من خشب الجوز حصرا يدعى القلب يرتكز على قواعد
خشبية متوضعة على قواعد حجرية ثابتة وقوية في قاع النهر،
مكونات الناعورة :
القلب وهو مركز دائرة الناعور
الكفت بكسر الكاف فهي عبارة عن ساندات كلوسائد تحت القلب تصنع من خشب الجوز
الصر قطع خشبية سميكة في محيط القلب تصنع من خشب المشمش
الأعتاب وعددها 16 عتبة مهما اختلف حجم الناعورة من خمسة أمتار وحتى 25 مترا
الوشاحات وتصنع من شجر الحور وعددها اثنان وثلاثون وشاحا لكل ناعورة
القيود وتصنع من خشب الجوز أو التوت تصل بين الوشاح والآخر
الدائرة تجمع على دوائر وهي دائرتان لكل ناعورة والغالب تصنع من خشب الجوز
الأطابيع تصنع من خشب السنديان بين الدائرة والوشاح
الرادين وهو جمع رادينة وخشبها من التوت وتدق رؤوسها العليا عبر ورشة من الأسافين
أسافين جمع إسفين وهي أخشاب صغيرة تدق في الأسفل الداخلي للدائرة العليا من الناعورة
قبون وهو عبارة عن طبقتين من الأخشاب تشكل أسفل وأعلى الصندوق
القراعات أخشاب مصنوعة بغاية الدقة وتثبت الرادين من الأطراف الأربعة
الميازيب وهي ومنها ينصب الماء في الناعورة
الطبق وهو يشكل جانبي الصندوق
الصندوق وهو لجمع وحمل الماء من النهر إلى أعلى الناعور لصب في القناة
الريش وهي من خشب الجوز لإعطاء قوة دوران للناعورة
الجامعات وهي من خشب الشوح أو الحور وهي مخصصة لزيادة دوران الناعورة
عضايض خشب واصل من الجامهات وماحولها
الأبواب تصنع من خشب الشوح وهي عريضة مثبت واحدة فوق وشاحين متقابلين تتحرك عن دخول دوران الناعورة إلى الماء
دورها في الزراعة :
وتلعب النواعير دورًا أساسيًا في الاقتصاد الزراعي لأنها في الأساس وسيلة
مبتكرة من وسائل الري وإذا كان دورها في هذا المجال قد بدأ يقل شيئًا
فشيئًا بسبب استخدام مضخات الماء الكهربائية (الموتورات) فإن أهميتها
السياحية لم تنقص بتاتًا بل يمكن القول على العكس إن أفواج السياح الذين
يؤمون مدينة حماة للتمتع بمنظر النواعير أو لدراسة حركتها يزيدون يومًا عن
يوم ومن المدهش أن نلاحظ أن هناك كتب تصدر بالفرنسية وبالإنجليزية عن
الناعورة هذه الآلة المدهشة التي ألهمت الآلاف من الشعراء والكتاب
والفنانين منذ خمسة وعشرين قرنًا من الزمن حتى اليوم.
وظيفة الناعورة :
الناعورة هي آلة مائية ذات حركة دائمة معدة لرفع الماء مؤلفة من أخشاب
ومسامير حديدية تغطس بالماء وصناديقها منقلبة فارغة وترتفع ملآنة ماء وتصب
الماء في قناة ذات قناطر متعددة وتسقي به البساتين وأكثر الحمامات وبعض
الدور والجوامع والخانات والمقاهي.
وظيفة الناعورة هي حمل الماء إلى مستوى أعلى من مستوى النهر لتيسير
الاستفادة منه نظرًا لانخفاض مجرى نهر العاصي في أراضي حماة عن مستوى
الحوض الذي ينساب فيه انخفاضًا كبيرًا قد يصل إلى سبعين مترًا في بعض
الأماكن فقد أصبح من المتعذر الاستفادة من مياهه إلا باستخدام وسائل الري
التي تلائم هذا الانخفاض الكبير فكانت الناعورة خير وسيلة توصل إليها
الإنسان وتدور الناعورة دورة كاملة كل عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 لتر
من الماء فهل هناك مصدر للماء يأتي من آلة يفوق هذا العطاء دون نفط أو زيت
أو كهرباء أو جهد بشري؟
تقنية الناعورة :
ولم تتغير تقنية الناعورة على مر العصور منذ خمسةً وعشرين قرنًا حتى
اليوم، فهي عبارة عن آلات مائية دائرية ذات حركة دائمة مكونة من أخشاب
متنوعة في طولها وعرضها وترتبط جميعًا بمحور خشبي ضخم سميك من خشب الجوز
يسمى القلب وهو مرتكز على قاعدتين متوضعتين على قواعد حجرية قوية صلبة
(الكفتان) وللناعورة في نهايتها أخشاب معترضة تلتقي مع تيار الماء الدافق
(تسمى الفراشة) تتدافع بعضها مع بعض فتدور الناعورة على قلبها باستمرار
وتتناثر على أطرافها (صناديق) خشبية متلاصقة لها فوهات جانبية فحين تغطس
في الماء تمتلئ به وحين يصبح الصندوق في الأعلى (ويبدأ دورة الهبوط) يتدفق
منه الماء إلى حوض واسع يتسرب في قناة ذات قناطر متعددة (تسمى الحجرية)
لسقي البساتين والحدائق حاليًا وتعتمد قدرة الساقية على سرعة المياه عند
ارتطامها بالعوارض (الفراشات) ولهذا يتم بناء سد أمام الناعورة لحجز
المياه وجعلها تتدفق سريعًا نحو فتحة ذات انحدار خاصة بالناعورة يقال لها
البيب فتقوم هذه المياه المتدفقة بقوة الارتطام بالفراشات واحدة بعد
الأخرى فتدور الناعورة حاملة في صناديقها الماء نحو أعلى الحجرية وتتراوح
أقطار النواعير في حماة بين 5 أمتار و21 مترا وعدد الصناديق التي ترفع
الماء بين 50 و120 صندوقا وقد يكون لبعض النواعير صناديق إضافية بمعدل
صندوق إضافي واحد لكل 6 أو 7 صناديق عادية وقبل إنشاء أي ناعورة ووضعها
قيد العمل يتم أولا تعيين الموقع الذي ستقوم فيه ثم يصار إلى قطع مياه
النهر عن ذلك المكان ويبدأ بعدئذ بأعمال البناء اللازم للناعورة ويشمل ذلك
كتلتين كتلة المثلثة التي ستحمل القلب أي محور الناعورة الذي تدور حوله
وكتلة البرج الذي يحمل الساقية ويتصل بالحجرية ذات القناطر التي تؤدي إلى
الحقول والبساتين وبين الكتلتين يترك الفراغ الذي ستنصب فيه الناعورة
والذي يسمى الجزء الأسفل منه باسم البيب ولكي تظل النواعير دائرة وتؤدي
عملها بشكل مقبول يلزم إيقافها مرة كل عامين لإجراء عملية صيانة لها تتضمن
تبديل بعض القطع منها مثل الفراشات والصناديق وتسمى عملية الصيانة الدورية
هذه باسم القشطة ولا يمكن أن تتم هذه العملية إلا بعد إيقاف الناعورة عن
الدوران وذلك بنصب سد مؤقت يؤدي إلى حجب المياه عنها وأفضل الأوقات لإجراء
هذه الصيانة هو وقت الربيع.
والناعورة اسم آلة مشتقة من فعل نعر بمعنى أحدث صوتا فيه نعير والنعير صوت
يصدر من أقصى الأنف وقيل لمثل هذه الآلة ناعورة نظرا لنعيرها وتجمع على
نواعير وناعورات .
الناعورة في التاريخ القديم :
برع السوريون القدماء في شتى نواحي العلوم، والكثير من الحضارات التي قامت
فوق الأرض السورية بامتدادها من البحر حتى حدود الجزيرة السورية شرقا قدمت
الكثير من العلوم وتخطيط المدن والعبادات وتدجين الحيوانات والزراعة
وابتكروا طرق وأساليب كثيرة تتعلق بالزراعة والري منها القنوات المائية
النواعير وأقدم صورة للناعورة نجدها في لوحة من الفسيفساء يعود تاريخها
للقرن الرابع قبل الميلاد وقد تم العثور عليها في مدينة أفامياأ الأثرية
بالقرب من حماة وهي موجودة في حديقة المتحف الوطني في دمشق اليوم.
وقد لاحظ الرحالة وجود النواعير في مدينة حماة منذ أقدم العصور حيث نجد
الرحالة ابن جبير يقول عنها : هي مدينة شهيرة في البلدان قديمة الصحبة
للزمان حتى إذا جست خلالها ونفرت ظلالها أبصرت بشرقيها نهرا كبيرا تتسع في
تدفقه أساليبه وتتناظر في شطه دواليبه وقد انتظمت طرفيه بساتين تتهدل
أغصانها عليه.
كما أن الرحالة ابن بطوطة يقول عن حماة تحفها البساتين والجنات عليها
النواعير كالأفلاك الدائرات ويشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي ولها ربض
سمي بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان.
أما المؤرخ أبو الفداء الذي كان ملكا على حماة فقال عن مدينته هذه
ونواعيرها :حماة من الشام مدينة أزلية وهي من أنزه البلاد الشامية ...و
بها نواعير على العاصي تسقي أكثر بساتينها ويدخل منها الماء إلى كثير من
دورها.
الناعورة حديثا" :
وفي بداية القرن العشرين كان عدد النواعير في مدينة حماة والأراضي التابعة
لها 105 نواعير منها 25 داخل مدينة حماة نفسها ولم يعد يوجد اليوم من كل
هذه النواعير إلا حوالي 40 ناعورة في حالة العمل منها داخل المدينة 19
ناعورة تنتظم في خمس مجموعات هي:
مجموعة البشريات: تقع في مدخل حماة من جهة الشرق وتضم أربع نواعير وهي
تتكون من مجموعتين فرعيتين كل منهما يتكون من ناعورتين هما البشريتان
والعثمانيتان.
مجموعة الجسريات: وهي تتكون من أربع نواعير أيضا" وهم ناعورة الجسرية والمأمورية والمؤيدية والعثمانية.
مجموعة الكيلانيات: وهي تتألف من أربعة نواعير أيضاََ ثلاثة منها على
الضفة اليسرى وواحدة فقط على الضفة اليمنى وتحمل الأسماء التالية الجعبرية
والطوافرة والكيلانية .
مجموعة شمال القلعة: تقع في محلة باب الجسر على الطرف الشمالي لقلعة حماة
وهي ثلاث نواعير اثنتان منها على الضفة اليسرى وواحدة منها على الضفة
اليمنى للنهر وتحمل التسميات التالية الخضر والدوالك والدهشة .
مجموعة باب النهر: وهي تتكون من أربع نواعير اثنتان منها لا تزالان قيد
العمل المحمدية والقاق واثنتان أخريان قد زالتا من الوجود من قبل نصف قرن
وهما العونية والبركة
اترككم مع بعض الصور للنواعير